فصل: تفسير الآيات (35- 36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الشيخ: والذي ذكره التصريفيون في {استعصم} أنه موافقٌ ل اعتصم فاستفعل فيه موافقٌ لافتعل، وهذا أجودُ مِنْ جَعْلِ استفعل فيه للطلب لأنَّ اعتصم يدلُّ على وجود اعتصامه، وطلب العصمة لا يدلُّ على حصولها، وأمَّا أنه بناءُ مبالغةٍ يَدُلُّ على الاجتهاد في الاستزادة من العصمة فلم يذكر التصريفيون هذا المعنى لاستفعل، وأمَّا استمسك واستوسع واستجمع الرأي فاستفعل فيه لموافقة افْتَعَل، والمعنى: امتسك واتَّسع واجتمع، وأمَّا استفحل الخطبُ فاستفعل فيه موافِقَةٌ لتفعَّل، أي: تَفَحَّل الخطب، نحو استكبر وتكبَّرَ.
وقرأ العامَّةُ بتخفيف نون {وليَكونَنْ}، ويَقِفون عليها بالألف إجراءً لها مجرى التنوين، ولذلك يَحْذفونها بعد ضمةٍ أو كسرةٍ نحو: هل تقومون وهل تقومين في: هل تَقُومُن وهل تقومِن، والنونُ الموجودةُ في الوقف نونُ الرفعِ رَجَعوا بها عند عدمِ ما يقتضي حَذْفَها، وقد قَرَّرْتُ ذلك فيما تقدم.
وقرأت فرقةٌ بتشديدها، وفيها مخالفةٌ لسواد المصحف لكَتْبِها فيه ألفًا، لأنَّ الوقفَ عليها كذلك كقوله:
وإياكَ والمَيْتاتِ لا تَقْرَبَنَّها ** ولا تَعْبُدِ الشيطانَ واللَّهَ فاعبدا

أي: فاعبدَنْ فَأَبْدَلها ألفًا، وهو أحدُ الأقوال في قول امرئ القيس:
قِفا نَبْكِ **........................................

وأجرى الوَصْل مجرى الوقفِ.
قوله تعالى: {رَبِّ السجن}: العامَّة على كسر الباء لأنه مضافٌ لياء المتكلم، اجتُزِئ عنها بالكسرةِ وهي الفصحى. و{السجن} بكسر السين ورفعِ النون على أنه مبتدأ، والخبر {أحبُّ}. والسِّجْن الحبس، والمعنى: دخول السجن.
وقرأ بعضهم: {رَبُّ} بضمِّ الباء وجَرِّ النون على أنَّ {ربُّ} مبتدأ و{السجنِ} خفض بالإِضافة، و{أحبُّ} خبرُه، والمعنى: ملاقاةُ صاحبِ السجن ومقاساتُه أحبُّ إليّ.
وقرأ عثمان ومولاه طارق وزيد بن علي والزهري وابن أبي إسحاق وابن هرمز ويعقوب بفتح السين، وفي الباقي كالعامَّة. والسَّجْن مصدر، أي: الحَبْس أحبُّ إلي، و{إليَّ} متعلقٌ ب {أحبُّ} وقد تقدَّم أن الفاعل هنا يُجَرُّ ب {إلى} والمفعول باللام، وفي الحقيقة ليست هنا أَفْعَل على بابها من التفضيل لأنه لم يُحبَّ ما يدعونه إليه قط، وإنما هذان شَرَّان فآثر أحدَ الشَّرين على الآخر.
قوله: {أَصْبُ} قرأ العامة بتخفيف الباء مِنْ صَبا يَصْبو أي: رَقَّ شَوْقُه. والصَّبْوة: المَيْلُ إلى الهوى، ومنه الصَّبا لأنَّ النفوس تَصْبو إليها أي: تميل، لطيب نسميِها ورَوْحِها يقال: صَبَا يَصْبُو صَباءً وصُبُوًّا، وصَبِيَ يصبى صَبًا، والصِّبا بالكسر اللَّهْوُ واللعب.
وقرأت فرقة {أَصَبُّ} بتشديدها مِنْ صَبْبتُ صَبابة فأنا صَبٌّ، والصَّبابَةُ: رِقَّةُ الشوق وإفراطه كأنه لفرط حبه ينصبُّ فيما يَهْواه كما ينصبُّ الماء. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله: {فَذَلِكُنَّ الذي لُمْتُنَّنِى فِيهِ}
أثَّرَتْ رويتُهن له فيهن فَقَطَّعْنَ أيديَهن بدل الثمار، ولم يشعرن، وضعفن بذلك عندها فقالت: ألم أقل لكن؟ أنتن لم تتمالكن حتى قطّعْتنَّ أيديَكُنَّ! فكيف أصبر وهو في منزلي؟! وفي معناه أنشدوا:
أنت عند الخصام عدوي

ويقال إن امرأة العزيز كانت أَتَم في حديث يوسف عليه السلام من النسوة فَأَثَّرَتْ رؤيتُه فيهن ولم تُؤَثِّرْ فيها، والتَّغَيُّرُ صفة أهل الابتداء في الأمر، فإذا دام المعنى زال التغيُّر؛ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمن رآه يبكي وهو قريب العهد في الإسلام: هكذا كُنَّا حتى قَسَتْ القلوبَ. أي وقَرَتْ وصَلُبَتْ. وكذا الحريق أول ما يطرح فيها الماء يُسْمَعُ له صوتٌ فإذا تَعَوَّدَ شُرْبَ الماء سَكَنَ فلا يُسْمعُ له صوت.
{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)} الاختبار مقرونٌ بالاختيار؛ ولو تمنَّى العافية بدل ما كان يُدْعى إليه لعلَّه كان يُعَافَى، ولكنه لما قال: {الِسّجْنُ أَحَبُّ إلَّى مِمَّا يَدْعُونَنِى إلَيْهِ} طُولِبَ بِصِدْق ما قال.
ويقال إن يوسف عليه السلام نَطَقَ من عين التوحيد حيث قال: {وَإلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} فقد عَلمَ أن نجاته في أن يَصْرِفَ- سبحانه- البلاَءَ عنه لا بتكلُّفِه ولا بتَجنبِه.
ويقال لمَّا آثر يوسفُ عليه السلام لحوقَ المشقة في اللَّهِ على لّذة نفسه آثره عَصْرُه حتى قيل له: {تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 91].
{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}
لمَّا رجع إلى الله بصدق الاستغاثة تداركه الله سبحانه بوشيكِ الإغاثة... كذلك ما اغبرَّ لأحدٍ- في الله تعالى- قَدَمٌ إلاَّ روَّحه بِكَرَمِه وتولاَّه بِنِعَمِه- إنه هو: {السَّمِيعُ} لأقوال السائلين،: {العَلِيمُ} بأحوالهم. اهـ.

.تفسير الآيات (35- 36):

قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت هذه الأمور موجبة لرفعته، فكان حينئذٍ أبعد شيء عن السجن لو كان الناس متمكنين من جري أمورهم على حسب السديد من عقولهم، أخبر تعالى أنهم خالفوا داعي السداد واستبدلوا الغيّ بالرشاد، لحكمه بأن السجن سبب عظيم لصرف كيدهن عنه وإثبات العز والمكنة له، ففعلوا- مع علمهم بأن ذلك ظلم وسفه- إجابة لغالب أمر الله وإظهارًا لعليّ قدره بمخالفة العوائد مرة بعد مرة، وهدم سداد الأسباب كرة أثر كرة؛ فقال: {ثم} لهذا المعنى، وهو أنهم كان ينبغي أن يكونوا من سجنه في غاية البعد: {بدا} أي ظهر بعد الخفاء كما هي عادتهم: {لهم} والبداء في الرأي: التلون فيه لظهور ما لم يكن ظهر منه.
ولما كان ذلك الظهور في حين من الدهر تلونوا بعده إلى رأي آخر، أدخل الجار دلالة على ذلك فقال: {من بعد ما رأوا} أي رؤيتهم: {الأيات} القاطعة ببراءته القاضية بنزاهته من قد القميص وشهادة الشاهد وغير ذلك.
ولما كان فاعل بداء رأى، فسره بقوله مؤكدًا، لأنه لا يصدق أن الإنسان يفعل ما ظهر له المانع منه: {ليسجننه} فيمكث في السجن: {حتى حين} أي إلى أن تنسى تلك الإشاعة، ويظهر الناس أنها لو كانت تحبه ما سعت في سجنه، وقيل: إن ذلك الحين سبع سنين، قيل: كان سبب ذلك أنها قالت للعزيز: إن هذا قد فضحني في الناس وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر كما يحب، وأنا محبوسة، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر كما يعتذر، وإما أن تسويه بي في السجن؛ قال أبو حيان: قال ابن عباس- رضى الله عنهما-: فأمر به فحمل على حمار وضرب أمامه بالطبل، ونودي عليه في أسواق مصر أن يوسف العبراني أراد سيدته، فهذا جزاءه أن يسجن! قال أبو صالح: ما ذكر ابن عباس- رضى الله عنهما- هذا الحديث إلاّ بكى- انتهى.
وهذا دليل على قوله: {إن كيدكن عظيم} [يوسف: 28].
قال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب اللوامع: وعلى الجملة فكل أحوال يوسف عليه الصلاة والسلام لطف في عنف، ونعمة في طي بلية ونقمة، ويسر في عسر، ورجاء في يأس، وخلاص بعد لات مناص، وسائق القدر ربما يسوق القدر إلى المقدور بعنف، وربما يسوقه بلطف، والقهر والعنف أحمد عاقبة وأقل تبعة- انتهى.
ولما ذكر السجن، وكان سببًا ظاهرًا في الإهانة، شرع سبحانه يقص من أمره فيه ما حاصله أنه جعله سبب الكرامة، كل ذلك بيانًا للغلبة على الأمر والاتصاف بصقات القهر، مع ما في ذلك من بيان تحقق ما تقدم به الوعد الوفي ليوسف عليه الصلاة والسلام وغير ذلك من الحكم، فقال تعالى: {ودخل} أي فسجنوه كما بدا لهم ودخل: {معه السجن فتيان}: خباز الملك وساقيه، ورفع إليه أن الخباز أراد أن يسمه، وظن أن الساقي مالأه على ذلك، ومع تدل على الصحبة واستحداثها، فهي تدل على دخول الثلاثة السجن في آن واحد- قاله أبو حيان، فلما دخلوا السجن كان يوسف عليه الصلاة والسلام يحسن إلى أهله فيسلي حزينهم، ويعود مريضهم، ويسأل لفقيرهم، ويهديهم إلى الخير، ويذكرهم بالله، فمالت إليه القلوب وكلفت به النفوس لحسن حديثه ولطيف تأتيه وما جباه الله به من الفضل والنبل وحسن الخَلق والخُلق، وكان في السجن ناس قد انقطع رجاءهم واشتد بلاءهم، فلم يزل يرفق بهم حتى قالوا: بارك الله فيك! ما أحسن وجهك وأحسن خلقك وأحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك، ما نحب أنا كنا في غير هذا لما تخبرنا به من الأجر والكفارة والثواب والطهارة، من أنت يا فتى؟ فأخبرهم بنسبه الشريف، فقال عامل السجن: لو استطعت لخليت سبيلك! ولكن سأحسن جوارك وإيثارك، وأحبه الفتيان ولزماه فقال: أنشد كما الله أن تحباني، فوالله ما أحبني أحد قط إلاّ دخل على من جهته بلاء! لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ من جهتها بلاء، ثم أحبني أبي فدخل عليّ من جهته بلاء، ثم أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل عليّ من جهتها بلاء، فلا تحباني، فأبيا إلاّ حبه، فكأنه قيل: أيّ شيء اتفقى لهما بعد الدخول معه؟ فقيل: {قال أحدهما} ليوسف عليه الصلاة والسلام، ولعل التأكيد إما لأنه كانت عادتهما المزح، وإما لأنهما ما رأيا شيئًا- كما قال الشعبي- وإنما صنفا هذا ليختبراه به: {إني أراني} حكى الحال الماضية في المنام: {أعصر} والعصر: الاعتماد على ما فيه مائية ليحتلب منه: {خمرًا} أي عنبًا يؤل إلى الخمر: {وقال الآخر} مؤكدًا لمثل ما مضى: {إني أراني أحمل} والحمل: رفع الشيء بعماد نقله: {فوق رأسي خبزًا} أي طعامًا مهيأ للأكل بالخبز، وهو عمل الدقيق المعجون بالبسط واللزق في حامٍ بالنار حتى يصلح للأكل: {تأكل الطير منه} وسيأتي شرح الرؤيا من التوراة، فكأنه قيل: فماذا تريدان من الإخبار بهذا؟ فقالا: {نبئنا} أي أخبرنا إخبارًا عظيمًا: {بتأويله} أي ما يرجع أمره ويصير إليه، فكأنه قيل: وما يدريكما أني أعرف تأويله؟ فقالا: {إنا نراك} على حالٍ علمنا بها علمًا هو كالرؤية أنك: {من المحسنين} أي العريقين في وصف الإحسان لكل أمر تعانيه، فلذلك لاح لنا أنك تحسن التأويل قياسًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن زوج المرأة لما ظهر له براءة ساحة يوسف عليه السلام فلا جرم لم يتعرض له، فاحتالت المرأة بعد ذلك بجميع الحيل حتى تحمل يوسف عليه السلام على موافقتها على مرادها، فلم يلتفت يوسف إليها، فلما أيست منه احتالت في طريق آخر وقالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني فضحني في الناس يقول لهم: إني راودته عن نفسه، وأنا لا أقدر على إظهار عذري، فإما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني، فعند ذلك وقع في قلب العزيز أن الأصلح حبسه حتى يسقط عن ألسنة الناس ذكر هذا الحديث وحتى تقل الفضيحة، فهذا هو المراد من قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ} لأن البداء عبارة عن تغير الرأي عما كان عليه في الأول، والمراد من الآيات براءته بقد القميص من دبر، وخمش الوجه، وإلزام الحكم أياها بقوله: {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] وذكرنا أنه ظهرت هناك أنواع أخر من الآيات بلغت مبلغ القطع ولكن القوم سكتوا عنها سعيًا في إخفاء الفضيحة.
المسألة الثالثة:
قوله: {بدالهم} فعل وفاعله في هذا الموضع قوله: {الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ} وظاهر هذا الكلام يقتضي إسناد الفعل إلى فعل آخر، إلا أن النحويين اتفقوا على أن إسناد الفعل إلى الفعل لا يجوز، فإذا قلت خرج ضرب لم يفد ألبتة، فعند هذا قالوا: تقدير الكلام ثم بدا لهم سجنه، إلا أنه أقيم هذا الفعل مقام ذلك الاسم، وأقول: الذوق يشهد بأن جعل الفعل مخبر عنه لا يجوز وليس لأحد أن يقول الفعل خبرًا فجعل الخبر مخبرًا عنه لا يجوز، لأنا نقول: الاسم قد يكون خبرًا كقولك: زيد قائم فقائم اسم وخبر فعلمنا أن كون الشيء خبرًا لا ينافي كونه مخبرًا عنه، بل نقول في هذا المقام: شكوك أحدها: أنا إذا قلنا: ضرب فعل فالمخبر عنه بأنه فعل هو ضرب، فالفعل صار مخبرًا عنه.
فإن قالوا: المخبر عنه هو هذه الصيغة وهي اسم فنقول: فعلى هذا التقدير يلزم أن يكون المخبر عنه بأنه فعل اسم لا فعل وذلك كذب وباطل، بل نقول المخبر عنه بأنه فعل إن كان فعلًا فقد ثبت أن الفعل يصح الإخبار عنه وإن كان اسمًا كان معناه: أنا أخبرنا عن الاسم بأنه فعل ومعلوم أنه باطل، وفي هذا الباب مباحث عميقة ذكرناها في كتب المعقولات.
المسألة الثالثة:
قال أهل اللغة: الحين وقت من الزمان غير محدود يقع على القصير منه، وعلى الطويل، وقال ابن عباس: يريد إلى انقطاع المقالة وما شاع في المدينة من الفاحشة، ثم قيل: الحين هاهنا خمس سنين، وقيل: بل سبع سنين، وقال مقاتل بن سليمان: حبس يوسف اثنتي عشر سنة، والصحيح أن هذه المقادير غير معلومة، وإنما القدر المعلوم أنه بقي محبوسًا مدة طويلة لقوله تعالى: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45].
أما قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ} فههنا محذوف، والتقدير: لما أرادوا حبسه حبسوه وحذف ذلك لدلالة قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ} عليه قيل: هما غلامان كانا للملك الأكبر بمصر أحدهما صاحب طعامه، والآخر صاحب شرابه رفع إليه أن صاحب طعامه يريد أن يسمه وظن أن الآخر يساعده عليه فأمر بحبسهما بقي في الآية سؤالات:
السؤال الأول: كيف عرفا أنه عليه السلام عالم بالتعبير؟
والجواب: لعله عليه السلام سألهما عن حزنهما وغمهما فذكرا إنا رأينا في المنام هذه الرؤيا، ويحتمل أنهما رأياه وقد أظهر معرفته بأمور منها تعبير الرؤيا فعندها ذكرا له ذلك.
السؤال الثاني: كيف عرف أنهما كانا عبدين للملك:
الجواب: لقوله: {فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: 41] أي مولاه ولقوله: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} [يوسف: 42].
السؤال الثالث: كيف عرف أن أحدهما صاحب شراب الملك، والآخر صاحب طعامه؟
والجواب: رؤيا كل واحد منهما تناسب حرفته لأن أحدهما رأى أنه يعصر الخمر والآخر كأنه يحمل فوق رأسه خبزًا.
السؤال الرابع: كيف وقعت رؤية المنام؟
والجواب: فيه قولان:
القول الأول: أن يوسف عليه السلام لما دخل السجن قال لأهله إني أعبر الأحلام فقال أحد الفتيين، هلم فلنخبر هذا العبد العبراني برؤيا نخترعها له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئًا.